الجانب الوجدانى فى توعية الطفل
وطبيعة عملي التربوي تستدعيني على
الدوام إلى الدعوة للالتفات إلى دور المؤسسة التعليمية في إشاعة الوعي
بأهمية تدبير الموارد الطبيعية، وفي تدريب المواطنين على حسن استغلال هذه
الموارد والحفاظ عليها، وزيادة وعيهم بأهميتها وبحجم المخاطر التي تهددها،
وبمدى النفع الذي يعود عليهم برعايتها.فالطفل يتعرض خارج أسوار المدرسة لتأثير ما يشاهده في محيطه وما يعاينه من سلوكات تصدر عن الأفراد كبارًا وصغارًا، وهي سلوكات تتسم في الغالب بالهدر نتيجة قلة الوعي بأهمية الماء ومزايا الحفاظ عليه وحمايته، فيحدث ما يسمى بالتعلم العارض أو التعلم السلبي، وهنا يبرز دور المدرسة التي تؤدي وظيفة مزدوجة، فهي أداة تصحيح، وأداة تنسيق، وتعدل السلوكات الخاطئة وتصحح التمثلات الخاطئة، وتستثمر الاختيارات التي يكتسبها المتعلم من المصادر الاجتماعية المختلفة التي هو عرضة لها في مختلف الأوقات والأحوال، وتعمل على ربطها وتنظيمها لتكون منها وحدة منسجمة مترابطة تخدم الغايات المرسومة والأهداف المتوخاة.
إن المراهنة على التربية قد تساعدنا على إيجاد حلول ناجعة لمشاكلنا الخطيرة، فبالاستعانة بالتربية البيئية يمكننا أن نبصر الأجيال الناشئة بين أيدينا بمخاطر السلوك المتهور نحو البيئة وبأهمية رعاية الماء هذا المورد الطبيعي وحمايته من كل أشكال الاستغلال المفرط أو التلويث المضر، فالتفاؤل مازال ممكنًا.
عناية الأطفال بقضايا البيئة
وقد عشت تجربة مهمة مع الأطفال في نادي البيئة حيث اشتغلنا على موضوع الماء والمخاطر التي تهدده، ونشرنا نتائج العمل في شكل كتيب صغير (الماء والحياة) وعرفت بهذه التجربة في مقال قصير بجريدة الأحداث المغربية، كما تداولت النبأ بعض الجرائد الوطنية.
وأشرت في مقالي السابق إلى تحمس الأطفال الشديد، والقناعة التي تكونت لديهم بأهمية الماء باعتباره مادة حيوية ضرورية لاستمرارية الحياة، وثروة وطنية تتأثر بسلوكنا اليومي، وتتناقص باستمرار، وكانوا مجمعين على أنه إذا كان متعذرًا صنع مياه جديدة وبكميات كافية، فإنه في إمكان الناس أن يحسنوا تدبير واستغلال المياه الموجودة بين أيديهم لتكفيهم وتكفي الأجيال التي ستأتي بعدهم، لذلك أبدوا حرصًا على ترسيخ ونشر أخلاق مسؤولة نحو البيئة، وأصروا كثيرًا على ضرورة تغيير أنماط السلوك السائد المتسم باللامبالاة والإسراف في استهلاك الماء.
إن أبناءنا يولون اهتمامًا بالغًا لقضايا البيئة، يتجلى من خلال شغفهم بعناصرها ومكوناتها، من أرض وجبال وبحار، وهواياتهم المتنوعة كجمع المحار والفراشات وتربية الأسماك واليرقات، وغرس البساتين والأصص، وغير ذلك مما يصعب عده وإحصاؤه، وإنما يتعين علينا استغلال هذا الاهتمام وترشيده لتنشئة أجيال ترعى البيئة وتحمي ثرواتها. فيتعين أن ندرج ضمن مناهجنا التعليمية في كل المستويات الدراسية دروسًا وأنشطة تربوية بيئية تتطرق لموضوع الماء خاصة وكل الثروات الطبيعية الأخرى وقضايا البيئة، يمارس الأطفال خلالها أنشطة الدراسة والتوثيق والتجريب والاستطلاع والتحقيق والبحث الحقلي وغيرها مما يمكن أن يحقق الغرض ويتحقق من خلاله تفاعل وجداني بين الطفل والبيئة. فالتفاعل الوجداني شرط التحمس للقضايا والنضال من أجلها.
أهداف التربية البيئية
يجب أن يسعى هذا التعليم إلى تحقيق ثلاثة أهداف تتصل بالمجالات الثلاثة للشخصية الإنسانية، وهي:
- المجال المعرفي: اكتساب معارف بيئة عن طريق مختلف العمليات العقلية، من معرفة وفهم وتطبيق وتحليل وتقييم وتركيب، وهو ما قد نجده أحيانًا مضمنًا في بعض مناهج العلوم والجغرافيا.
- المجال الحسي الحركي: اكتساب وتنمية مهارات كاستعمال أدوات غير ملوثة وغير مستنفدة للموارد الطبيعية، والاقتصاد في استعمال الماء في الحياة العامة وأعمال النظافة والري وغيرها، ورعاية نظافة البيئة عمومًا حفاظًا على مكوناتها ومخزوناتها وغير ذلك.
- المجال العاطفي والوجداني: أي اكتساب قيم واهتمامات ومواقف، كالاستقلالية والثقة بالنفس واحترام الآخر والقدرة على التقييم الذاتي، وروح النقد، وميول عاطفية إيجابية نحو البيئة ومكوناتها تتسم بالديمومة والثبات، وتكوين اتجاهات إيجابية نحو الترشيد واتجاهات سلبية نحو التبذير والتلويث والهدر والسرف.
والاستعانة في تحقيق ذلك بأنواع الخطاب الأدبي القصصي والحجاجي والديني والعلمي وغيره، والديني أبلغ تأثيرًا وأقوى فعلاً، وعدم الاكتفاء بالتعليم اللفظي، الذي قد يكون متعسفًا أحيانًا لأن الأطفال لا يملكون الخبرات الكافية التي تمكنهم من فهم الكلمات التي يسمعونها، فيتعين لأجل ذلك تكليفهم بإنجاز بحوث حقلية ميدانية وزيارات وخرجات وتجارب ومعارض واستغلال الوسائل السمعية البصرية، وغير ذلك مما يكون مفيدًا.
أهمية الجانب الوجداني
فقد يكون تمسك المتعلم بالسلوك التبذيري أو غيره الذي يبدو مناقضًا لما يتعلمه في المدارس أو غيرها، إنما قد يكون نتيجة التعثر في بلوغ الأهداف الوجدانية التي من المفروض أن تكسب الشخص سلوكًا رافضًا للمنطق الاستهلاكي وأنماط التبذير والهدر واللامبالاة.
فإذا كانت أدوات وسائل الكشف ثم التصحيح سهلة نوعًا ما ومتاحة وواضحة بالنسبة للأهداف المعرفية والحسية الحركية، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للأهداف الوجدانية المتعلقة بالمواقف، فمثلاً قد يختبر المدرس تلميذه في معارفه البيئية، فيجيب التلميذ جوابًا تامًا مكتملاً، لكنه مستقبلاً لا يتخذ الصبي المواطن موقفًا إيجابيًا تجاه البيئة ويلجأ إلى التخريب والتبذير واللامبالاة، إني أستحضر في ذهني الحسرة التي عبر عنها أحد المربين العرب، حين تحدث في مذكراته عن الجهد الذي بذله ذات يوم أمام تلاميذه لمحاربة عادة تبول الصبيان في الطريق العام، وكيف لقنهم عبارة (أنا لا أبول في الشارع) وحفظهم إياها وكتبوها مرات عديدة لترسخ في أذهانهم ويحفظوها، وحين خرج من الفصل عند نهاية الدوام، أحس بخيبة كبرى حين لقي صبيانه متمسكين بعادتهم المشينة، يفعلونها أمام الملأ وهم يرددون العبارة التي لقنوها في سخرية، لقد حفظوا العبارة فعلاً، ولم يغيروا سلوكهم!
إن هذه نتيجة حتمية وطبيعية لنهج تعليمي لا يحرص على تحقيق توافق وانسجام بين العمل التربوي وأهداف الشخصية، ولا يراعي مدى قدرة الناشئة على التجاوب مع خطاب وعظي وتقريري، لا يستحضر الدين ولا يستعين به، فتنجيس الطريق العام منهي عنه شرعًا، وأظن لو اكتفى ذلك المعلم بإيضاح حرمة هذا العمل وما يتضمنه من معصية دينية، فضلاً عن الآثار الاجتماعية والصحية لكان خطابه أجدى وكانت نصيحته أكثر تأثيرًا من تلقينه للصبيان عبارة جافة لا يجدون لها مدلولاً ولا يستوعبونها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق